تعليم اللغة العربيّة للناطقين بغيرها وتعلّمها عن بعد

يناير 24, 2021   | by Arabic Institute


د. رائد عبد الرحيم مدير - معهد تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها-جامعة النجاح الوطنية

    لقد فرضت التكنولوجيا الحديثة، والتسارع في إنتاج وسائل التواصل الاجتماعي واقعاً جديداً على المدرسين والطلاب، وعلى مؤسساتهم التعليمية ، من لم يسر فيه، يظلّ متأخراً  عن ركب الحداثة، وتوظيف الاستراتيجيات الحديثة في التعليم والتعلّم. ولهذا فإن هذا الواقع الجديد يفرض ثقافة جديدة واتجاهات في العملية التعليمية سواء أكان الأمر عن بعد، كما هو الحال الآن في ظل جائحة كورونا، أم عن قرب وبعد عقب انتهائها، فلا غنى لأي مدرس أو طالب أو مؤسسة بعد الآن عن التكنولوجيا ووسائلها المختلفة في التعليم. ولهذا فهناك بعض الإرشادات والنصائح التي يمكن تقديمها لكلّ من يخوض في التعليم عن بعد بمفهومه العام، استخلصتها من متابعة المؤسسات التعليمية والخبراء في المجال، ومن خلال الممارسة الفعلية للتعليم عن بعد، وتوظيف التكنولوجيا فيه، أجملها في الآتي:

  1. إن هذا الأمر يقتضي توفّر الوسائل التكنولوجية اللازمة، والتعرّف إلى البرامج والتطبيقات المختلفة التي تخدمك في هذا الأمر، فلا يمكن للمدرس أو الطالب أن ينجح في هذا النوع من التعليم إلا إذا كان على دراية بتلك البرامج والتطبيقات التي تخدم أهدافه، مثل برامج Zoom, Google classroom, ، Microsoft Teams، Skybe، وغيرها، وتلك التي تمكّنه من تصميم المواد التعليمية مثل مودل Moodle، وبرامج تصميم الفيديوهات والمطوّيات، والصور…. وتلك التي تمكنه من التواصل المستمر مع الطلاب، مثل الفيس بوك والماسنجر، والواتس آب...إلخ، وعليه أن يوظّف كل وسيلة في مكانها الملائم، فتتكامل في أداء المهمة، وتحقيق الأهداف.

  2. ويعقب ذلك إعداد المواد التعليمية الملائمة للتدريس عن بعد، وللأهداف المرجوة من التدريس، التي تضمن الفائدة، والمتعة، والتفاعل، وتحقيق الأهداف المرجوّة بدقّة. وهذا يستلزم الصبر والتواصل المستمر مع الطلاب، ويتطلّب الحرص على متابعة الإنتاج، وتقديم المادة بصورة متسلسلة ومستمرة، وتقديم القوائم اللغوية المدروسة، لتكون متوفرة بين يدي الطلاب كلّما احتاجوا إلى العودة إليها. باختصار من المهم ضبط المادة التعليمية، وحفظها في ملفات.

  3. البقاء على تواصل مع الطلاب لمتابعة شؤونهم، وتقديم النصح والإرشاد لهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، والإجابة عن استفساراتهم، ومراقبة أدائهم، وحثّهم وتشجيعهم على ذلك، وتصحيح أخطائهم، وتشكيل صورة واضحة عن تطوّرهم، وهذا أيضاً يحتاج وقتاً وصبراً.

  4. التأكّد باستمرار من حصول الطلاب على المادة التعليمية، وما يتعلق بها من مهام وواجبات، والتأكد من فهمهم ما طُلب إليهم، وإزالة سوء الفهم.

  5. إعطاء فرصة للطلاب للكلام والحوار والتفاعل، وحثّهم على تقديم التقارير المختلفة، وإدارة النقاش، والمراوحة بين الجانبين النظري والتطبيقي في الصف الافتراضيّ، تحقيقاً للفائدة، وبناء مجتمع لغوي عن بعد، تتحقق فيه وسائل الانغماس الموجّه.

  6. أنصح أن تكون الدروس التي يتلقاها الطلاب قصيرة ومحددة الأهداف، وكذلك التدريبات، والمهام التي يؤدونها، ضماناً للتفاعل المستمرة، والأداء، وتجنباً للملل والإرهاق، لأن الهدف في النهاية تحقيق فائدة تراكمية، ولا ينبغي أن ننسى أن الطلاب ما زالوا يتعلّمون اللغة.

  7. إن تسجيل الدّروس، وتسجيل المفردات والتراكيب بل النص المقروء مهم جداً في تحقيق الهدف اللغوي، وكذلك من المهم تصميم فيديوهات أو تسجيلات تعزز المادة التعليمية التي يدرسها الطلاب.

  8. تشجيع الطلاب على تصوير مقاطع تمثيلية أو درامية، وتسجيل حوارات فيما بينهم، أو تسجيل حديثهم في موضوعات تُطلب إليهم أو يرغبون في تقديمها.

  9. بناء برنامج انغماسي عن بعد. إن متعلمي العربية من الناطقين بغيرها ربما كان أكثرهم في دولهم، فلا يتاح لهم فرصة الانغماس في مجتمع اللغة للتعرّف إلى اللغة التواصلية أو ثقافة البلد. فهل يمكن بناء هذا البرنامج عن بعد؟

  إنّ بناء برنامج انغماسي عن بعد، يحقق للطالب ما يمكن تحقيقه في بلد اللغة الهدف أمر صعب، فتحقيق مثل هذا البرنامج يظل قاصراً عن الاندماج الحقيقي المبرمج أو العشوائي في مجتمع اللغة، ذلك أن الطالب في مجتمع اللغة يعيش يوميّا بين أبنائها، يتعلّم منهم كلّ يوم شيئاً جديداً من المفردات، والتعبيرات، والأساليب، والثقافة، وأساليب التواصل الاجتماعي المختلفة. أمّا عن بعد، فهذا الأمر تتحمله المؤسسة التي تدرّس الطالب، وتقع مسؤوليته على عاتق المدرّسين في المقام الأول، ثم الطالب في مقام تالٍ، ويظل وقت الانغماس محدداً ومرتبطاً بالبرنامج المعدّ لذلك. وكلما كان البرنامج متقناً، وكان هناك وعي فيه، وفي أهدافه كان نجاحه ممكناً. ولهذا ننصح بالآتي:

  1. أن يكون هناك ربط بين المادة التعليمية والتطبيق الانغماسي لها، فمثلاً إذا درس الطالب درس السوق في المستويين المبتدئ والمتوسّط، يمكن للمدرس أن يدخل إلى جوجل صور أو أي برنامج صور آخر، ويبني موقفاً تعليمياً من خلال الصور، يتسلسل في عرض الكفايات التي درسها الطالب، ويقيم حواراً معه أو مع الطلاب بعامة، ويتبادلون الأدوار. وينطبق ذلك على دروس مثل التعارف، فيأتي المدرّس بشركاء عرب، فيتحاورون مع المتعلمين، وهذا يمكن تطبيقه في المستويات المتقدمة عند مناقشة القضايا الكبرى في اللغة والثقافة.

  2. إيجاد شراكات لغوية مع طلاب عرب، يتطّوعون لتحقيق أهداف محددة تحقق توجّهات البرامج الانغماسية الواضحة، ومراقبة الأداء والإنتاج.

  3. تفعيل الأنشطة الأسبوعية عبر التعليم عن بعد، وهدفها انغماسي، مثل المطبخ الثقافي، والألعاب اللغوية، والمحادثة في موضوعات مختلفة، وتفعيل دور الأغاني والدراما..

  4. تشجيع الطلاب على التعرّف إلى أناس من العرب الذين يعيشون في محيطهم، وتكوين صداقات معهم.

  5. حثّ الطلاب على المشاركة الفاعلة في وسائل التواصل الاجتماعي، في الفيس بوك وغيره، وتكوين صداقات مع أشخاص عرب، ومتابعة ما يكتبون، والمشاركة في الكتابة، وهم بذلك سيتعرّفون إلى أنماط مختلفة من الكتابة والتعبير، وسيتشكل لديهم وعي لغوي بلغة هذه الوسائل، تتيح لهم الانغماس فيها والتواصل مع روّادها، والتعرّف إلى ثقافات مختلفة.

  6. استخدام وسائل التواصل بصورة مبرمجة، عبر تشكيل مجموعات على الماسنجر، أو الواتس آب، وتوظيفها في تبادل الرسالة والكتابة باللغة العربية، والسؤال والجواب.

  7. تفعيل كتابة التقارير الخاصة بهذه الوسائل ولغتها، وإعانة الطلاب على ذلك، لرصد لغتها وأساليب التعبير فيها، وسنرى نتائج إيجابية جدّاً في هذا الموضوع.

  8. إتاحة الفرصة للطلاب للحديث عن ثقافتهم باللغة العربية، لإجراء مقابلات ومقارنات بين ما يعرفون وبين الثقافة الجديدة، وهذا يتيح للمتعلم زيادة كفايته المتعددة حضارياً، ويساعده على إزالة الصّورة النّمطية عن شعوب الّلغة الهدف، ويستفيد من ذلك كلّه في زيادة وعيه الفكري والثقافيّ.

  9. ومن المهام التي تزيد من التفاعل الانغماسي إجراء مقابلات مع شخصيات عربية أدبية وفكرية وسياسية...، فيُحضّر المتعلّم أسئلته لهذه المهمة، ثمّ يتبادل الحوار الشفهي أو الكتابي معه، ويجمع المعلومة ويدوّنها.

  10. يتطلّبّ إعداد برنامج انغماسي متابعة هوايات الطلاب، واهتماماتهم، للتركيز عليها عند إعداد البرنامج، لإيجاد متعة حقيقية في تحقيق الهدف، ويتطلّب وعياً من القائمين على البرنامج بالكفايات التي ينبغي عليهم تقديمها في كل مستوى من المستويات، ولا يكفي هذا وحده ، فمن المعلوم أن لكلّ مجتمع خصوصيته، ومن هنا فإن المادة الانغماسية تختلف من مجتمع لآخر، ومن بيئة إلى أخرى، وهو ما يشكّل تحدّياً أمام معدّي البرنامج لتقديم الانغماس الملائم لثقافتهم المحليّة والجمعية، وهنا يبرز ما يسمّى بالتعدد الثقافي، فلا ينبغي الاقتصار على جانب دون آخر بل من المهم انتقاء المادة الانغماسية التي تمثّل المجتمع بجوانبه المختلفة، وتزيد في ثقافة المتعلمين بمجتمع اللغة.