الأعاجم: مصطح غير جامع ولا مانع

يوليو 26, 2023   | by Arabic Institute


خالد حسين أبو عمشة
أستاذ اللسانيات التطبيقية المشارك
المدير الأكاديمي – معهد قاصد

 

ثمة معان كثيرة للجذر عجم، وأرغب في هذه المقالة تحقيق القول في دلالة هذه الكلمة  في المعاجم العربية بغية تلمس مدى دقتها للتعبير عن من يرغب بتعلم العربية بوصفها لغة ثانية أو أجنبية.

ورد في معجم مقاييس اللغة أن العين والجيم والميم ثلاثة أصول: أحدها يدلُّ على سكوتٍ وصمت، والآخَر على صلابةٍ وشدة، والآخر على عَضٍّ ومَذَاقة.ولا ريب أن المعنى الأول هو مدار هذه المقالة، وهو الرجُل الذي لا يُفصح، هو أعجمُ، والمرأة عجماءُ بيِّنة العُجمَة. وهذا ما أكده معجم الدوحة التاريخي إذ يذكر؛ عجُم الشخص: صار غير مبين، ولا فصيح، يقول مهيار الديلمي:

فَصُحْتُ ليعرُب فيها مأني عجمت ببابلٍ فنفتتُ سحراً

فيما نحا ابن منظور في لسانه وصاحب الجمهرة إلى معنى آخر، إذ يذكران أن العُجْمُ والعَجَمُ:خِلافُ العُرْبِ والعَرَبِ، ويقال عَجَمِيٌّ وجمعه عَجَمٌ أو أعاجم، وخلافه عَرَبيّ وجمعه عَرَبٌ، مع تأكيد المعنى الأول حيث الأَعْجَمِ الذي لا يُفْصِحُ،  قال أَبو إسحقالأَعْجَمُ الذي لا يُفْصِحُ ولا يُبَيِّنُ كلامَه وإِن كانَ عَرَبيَّ النَّسبِ. وهذا ما أكده كذلك صاحب القاموس.

كما ذكر أن العُجْمَ أو العَجَم قوم غير العرب. وذكر صاحب المعاني أنها تدل على الفرس خاصة. وأضاف بلاد العجم بلاد فارس. لذلك قال: الأعجمي هو مَنْ ليس بعربيّ وإن أفصح.

وأضاف صاحب اللسان: رجل أَعْجَميٌّ وأَعْجَمُ إذا كان في لسانه عُجْمة، وكلامٌ أَعْجَمُ وأَعْجَميٌّ بَيِّنُ العُجْمة كما جاء في التنزيل: لِسانُ الذي يُلْحدُونَ إليه أَعْجَمِيٌّ. ومنها قوله تعالى: ولو نَزَّلْناه على بَعْضِ الأَعْجَمِينَ؛ أي غير الفصحاء. ومؤنثه عجماء، ومن معانيها كما ورد في القاموس المحيط البهيمة، والبَهِيمَةُ، والرَّمْلَةُ لا شَجَر بها. ومما يؤكد هذا المعنى قوله أيضاً: فَها إِذا فَصُح بعد عجمة.

وقال ثعلب: أَفْصَحَ الأَعْجَمِيٌّ؛ قال أَبو سهل: أَي تكلم بالعربية بعد أَن كان أَعْجَمِيّاً، فعلى هذا يقال رجل أَعْجَمِيٌّ، والذي أَراده الجوهري بقوله: ولايقالرجل أَعْجَمِيٌّ، إنما أَراد به الأَعْجَمَ الذي في لسانه حُبْسَةٌ وإن كان عربيّاً؛ (اللسان) وأضاف يقال: هذا رجل أَعْجميٌّ إذا كان لا يُفْصِحُ، كان من العَجَمِ أَو من العَرَب.وهذا دلالة على الصفة وليس الفئة من الناس.

وأضاف صاحب الصحاح كلُّ من لا يقدر على الكلام أصلاً فهو أعْجَمُ ومُسْتَعْجِمٌ. وأكد صاحب الصحاح كذلك على الذي لا يُفصح ولا يُبين كلامَه، وإن كانَ من العرب. وذكر صاحب المقاييس يقال للصَّبيِّ ما دام لا يتكلَّم لا يُفصح: صبيٌّ أعجم. وقد خطّأ ابن فارس من يقول عن الأعجميّالذي لا يُفْصِح وإنْ كان نازلاً بالبادية. إذ يقال ذلك على العجمي وليس الأعجمي وهو بذلك يفرق بين العجمي والأعجمي. فالعجمي جمعها أعاجم والأعجمي جمعها أعجميون. مؤكداً على أن كلُّ مَن لم يَقدرِ على الكلام فهو أعجمُ ومُستعجِم.

وقد اختص صاحب القاموس بقوله: والعَجَمِيُّمَنْ جِنْسُهُ العَجَمُ وإنْ أفْصَحَ. وأضاف  هو العاقِلُ المُمَيِّزُ.

وأضاف صاحب المصباح المنير بأن العُجْمَةُ: في اللسان بضم العين: لكنة وعدم فصاحة. و "عَجُمَ" بالضم "عُجْمَةً" فهو "أَعْجَمُ" والمرأة "عَجْمَاءُ" وهو "أَعْجَمِيٌّ" بالألف على النسبة للتوكيد أي غير فصيح وإن كان عربيا. لذلك  فلو قال لعربي: يا "أَعْجَمِيُّ" بالألف لم يكن قذفا؛ لأنه نسبه إلى "العُجْمَةِ" وهي موجودة في العرب وكأنه قال: يا غير فصيح وبهيمة "عَجْمَاءُ" لأنها لا تفصح 

ومما يلاحظ في استخدام هذه الكلمة في المعاجم العربية اختلاط معناها بين من في لغته عجمة أو لكنة أو لا يفصح، واستخدامها في معنى خلاف العرب، وبالتالي فهي من الناحية اللغوية غير دالة على فئة راغبي دراسة العربية من غير العرب، إذ تعبر عن العرب وخلافهم وهو بالتأكيد ليس المقصود حيث تطلق على من يرغب في تعلم العربية، بالإضافة إلى إشارة غير معجم أن المقصود بهذه الكلمة هم فئة مخصوصة (الفرس) وبالتالي فإن تعيمم هذه الكلمة على كل من لا يتحدث بالعربية ويرغب في تعلمها غير دقيق. وينضاف إلى ذلك فكرة ابن فارس الصريحة والواضحة التي تخطئ إطلاق الأعجمي/ الأعاجم على غير العرب ممن يرغبون في تعلمها، مؤكداً أن العجمة تقع للعربي وخلافه، إذ فرق دلاليا بين الأول والثاني أي بين العجمي والأعجمي، فالعجمي من لا يفصح، والأعجمي خلاف العربي، وجمع الأولى أعاجم، وهو غير الشائع في مجال تعليم العربية للناطقين بغيرها، وبين الأعجمي التي جمعها الأعجميون. أمّا ثالثة الأثافي فهي دلالة الكلمة النفسية وظلالها معانيها التي توحي بالسلبية والدونية لدى فئة كبيرة من متحدثي العربية في الوقت الراهن، شأنها شأن كثير من المصطلحات الأخرى التي اكتسبت دلالات جديدة، ونخلص من هذا الاستعراض والمناقشة إلى أن كلمة العجم أو الأعاجم غير دقيقة البتة للتعبير عن الراغبين في تعلّم العربية لأسباب لغوية ونفسية، وهي اصطلاحات غير جامعة وغير مانعة، وهذا يوصلنا إلى ما شاع ويشيع في المجال من كلمات تعد أكثر مناسبة ودقة لغويا ومعنويا، كقولنا:

تعليم العربية للناطقين بغيرها

تعليم العربية للناطقين بلغات أخرى.

تعليم العربية للأجانب

تعليم العربية لغير العرب.

مما هو أنسب وأدق من كلمة العجم والأعاجم، وأذكر أخيراُ بحديث رسول صلى الله عليم، في منادة الناس بأحب الأسماء إليهم، الذي يزرع المودة في القلوب، والمحبة في النفوس. وكان عليه السلام يغيِّر أسماء الأشخاص حين تكون معانيها سيئة أو غير جميلة أو محببة أو تكون لها دلالات وإيحاءات لا يقبل بها. وأختم مقالتي هذه باقتباس من كلام أستاذنا المرحوم رشدي طعيمة إذ يقول : إننا نرفض وفي أيامنا هذه استخدام مثل هذا الاصطلاح (الأعاجم) وذلك لعدم دقته، فهو تعريف مانع غير جامع بالإضافة إلى الدلالة النفسية التي تصاحب هذا الاصطلاح وهي دلالة نفسية غير مقبولة بيننا كمسلمين.