مايو 23, 2018
د.رائد عبد الرحيم - مدير معهد تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها-جامعة النجاح الوطنية
النظرية السلوكية من النظريات المهمة التي يكثر الحديث عنها في مجال تعليم وتعلّم اللغة الثانية، وعلى الرغم من مجيء نظريات أخرى بعدها تناقضها وتنتقدها إلا أنها ما زالت حاضرة بقوة في مجال تعليمية اللغات، ولكن ما يلفت النظر أن أغلب الباحثين يركزون على تعريف هذه النظرية في كتبهم وأبحاثهم، ويبتعدون عن تطبيقها أو رسم استراتيجيات لهذا التطبيق، وهذا عائد، في رأيي، إلى عدم وضوح استراتيجياتها في أذهان الكثيرين، فيظل اللاحق ينسخ ما قاله السابق، حتى صار الكلام مكروراً معادا، ومن هنا يركّز هذا المقال على جوانب تطبيقية لهذه النظرية في مجال تعليمية اللغة العربية للناطقين بغيرها، ويمكن إجمال هذه الاسترايجيات في النقاط الآتية:
إن أول خطوة ينبغي على معلّم اللغة العربية للناطقين بغيرها أن يكون واعيا بمفهوم السلوك الإنساني ومحدداته وأنواعه وأشكاله، فهذا يسهل عليه رسم الخطوط العريضة للمواد التعليمية والوسائل التي يتبعها في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها.
ثم يشرع بناء على هذا الوعي بوضع خطة لازمة لتطبيق هذا السلوك على مستويين:
أ- في المنهج وفي قاعة الدرس.
ب- في الوسائل خارج قاعة الدرس المعينة على هذا التطبيق، وأقصد يذلك الانغماس اللغوي.
3- إن بناء الاستراتيجيات اللازمة لتطبيق النظرية السلوكية يستدعي الوعي بالسلوك اللغوي لأبناء اللغة، سواء أكان ذلك السلوك منطوقاً أم إشارياً وإيمائياً أم ثقافياً، ومن أمثلة المنطوق: العبارات اليومية التي تقال في التحايا والأعياد والمناسبات المختلفة ، أما الإيماءة والإشارات، فمنها رفع الرأس علامة على الرفض أو طأطأته علامة على الخجل أو الندم، أو رفع شارة النصر أو التعجب، وغير ذلك. وأمثلة السلوك اللغوي في المناسبات كثيرة، وكذلك الثقافية التي تكون في الأعراس ورمضان وغير ذلك. وهذه السلوكيات يكتسبها الطالب عن طريق انغماسه في المجتمع، وقاعة الدرس والمنهاج.
4- أما تطبيقاتها في قاعة الدرس والمنهاج، فتكون بإعداد المادة التعليمية المحتوية على السلوك اللغوي والثقافي، وباتباع الوسائل المختلفة في تعزيز مهارة السماع والحوار والممارسة، ومنها التكرار، وتصحيح الأخطاء المتكررة والتنبيه عليها، والاعتماد على الصورة حتى تضحي رؤيتها رابطا ذهنياً ومثيراً للنطق بها. ولابد من الإشارة إلى أن الحوار اليومي والاتصال الثقافي والاجتماعي له دور مهم في تعزيز السلوك اللغوي عند المتعلمين، ويكون ذلك مشفوعاً بالتفاعل المعدّل، الذي يعين الطالب على جعله سلوكاً يومياً شبيها بسلوك أبناء اللغة. وكذلك التغذية الراجعة لها دور في تعزيز السلوك، فوضع اليد باستمرار على إيجابيات المتعلم اللغوية والثقافية وسلبياته ورصدها تجعل المعلم على وعي تامّ بالسلوك المطلوب تعزيزه باستمرار والتنبيه عليه. وهناك أمر مهم يعزّز السلوك اللغوي وهو الانغماس المرتبط بالمادة التعليمية المعدة، ومنها الشريك اللغوي، واختلاط المتعلمين بأبناء اللغة في حوارات في الموضوعات التي درست..وهكذا.
5- هناك دور مهم للمتعلّم في تعزيز هذا السلوك ليس فقط في اندماجه في مجتمع اللغة وتفاعله معه، وإنّما بإجراء مقارنات بين الممارسات السلوكية في لغته وثقافته، ورسم استراتيجيات الربط بينها وبين اللغة الهدف، وتكوين آلية ذهنية لديه للسؤال عن السلوك المتبع في اللغة الثانية. فكل لغة تحتوي على عبارات سلوكية في مواقف اجتماعية يومية في حالة الرضا والغضب والفرح والحزن وغير ذلك، وعلى ممارسات سلوكية في المناسبات والأعراس والمآتم، وفي الإيماءة والإشارة.. وهذه مسؤولية تضاف إلى مهام علم اللغة التقابلي، إذ لا ينبغي فقط التركيز على المقابلة على صعيد القواعد والأصوات والمفردات والعبارات وإنمّا يمكن المقابلة بين السلوك اللغوي أيضاً.