نوفمبر 6, 2017
د.رائد عبد الرحيم
مدير معهد تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها-جامعة النجاح الوطنية
يعاني المدرسون والطلاب في برامج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها من مشكلات نفسية عديدة، وهذه المشكلات تقتضي رصدها ثم مناقشتها وتقديم الحلول العملية المناسبة لها، وبعضها لا ينتظر التفكير الطويل بل تقتضي معالجتها مباشرة وفي وقت ظهورها. تناقش هذه المقالة بعض هذه المشكلات وبخاصة في الواقع الفلسطيني، وتعرض بعضها من خبرة الكاتب في هذا المجال لسنوات عديدة، ويمكن إجمالها في الآتي :
- تبدأ هذه المشاكل بالظهور منذ اللحظة الأولى التي يقرر فيها بعض الطلاب الخروج من بلدهم، والتوجه إلى العالم العربي، وهي في اختيار المكان الملائم لهم، وبخاصة في ظل الظروف التي تعانيها المنطقة العربية، وهذه المشكلة النفسية يشاركهم فيها أهلهم، فقد روى لي بعض الطلاب الخوف الذي اعتراهم حين قرروا الحضور إلى فلسطين للدراسة، وبكاء بعض أمهاتهم، ومحاولة الأبوين منعهم من الذهاب، ذلك لما يبثه الإعلام الإسرائيلي من معلومات مضلّلة عن الواقع الفلسطيني، ووسم هذا الواقع بالخطير والإرهابي، وبعد أن يقرروا ويحضروا، تتولّد مخاوف جديدة حين يحتجزهم موظفو المطار لساعات طويلة للتحقيق معهم في الأسباب التي دفعتهم لزيارة فلسطين، وما إن يعرفوا نيتهم في الدراسة في جامعة فلسطينية حتى يبدأ اعتراض الموظفين، وتبدأ سياسة التخويف من المجتمع الفلسطيني، وأن ذلك سيكون خطراً على حياتهم، ثم يعرضون عليهم الدراسة في الجامعات الإسرائيلية، فهي أفضل لهم دراسة وأمناً على حدّ تعبيرهم. وتزداد مخاوف الطلاب الموجودين حين يمنع الإسرائيليون بعض الطلاب من العودة إلى فلسطين، وذلك بسبب دراستهم في في جامعاتها الفلسطينية بحجة حاجتهم إلى فيزا طالب، وهم يدركون ألا فيزا للطلاب تمنح منهم لمن سيدرس في جامعات فلسطينية. وهناك مشاكل نفسية تعتري الطلاب الذين يتمكنون من الخروج ثم العودة مرة أخرى وهي سؤالهم عن أنشطة فعلوها في فلسطين، ثم تحذيرهم من العودة إليها.
- وهناك مشاكل أخرى تشغل بال الطلاب وهي توفير السكن الملائم لهم موقعا ونظافة وسعراً، والحافلات التي تنقلهم إلى مكان الدراسة، ثم تكاليف الحياة في واقعهم الجديد، فمسألة اختيار البيت الملائم والأصدقاء الملائمين، مشكلة ليست هينة، تحتاج إلى وقت حتى يتجاوزها الطلاب، ولا يمكنهم ذلك حتى يستقروا ثم يتعرفوا إلى بعض من ثقافة المجتمع الجديد، وتكوين الثقة فيه وبأناسه، ولذا فإن الطلاب عادة يفضلون أن يكونوا في جماعات من نفس العرق واللغة إن أمكنهم ذلك، ثم بعد ذلك ينطلقون إلى الواقع للاختيار. ومن هنا ينبغي على المؤسسة التي تستضيف هؤلاء الطلاب أن توفر لهم سبل الراحة التامة، وأن يكون لها سبلها الخاصة في توقير السكن الملائم بأرخص الأسعار الموجودة.
- مشكلة الاختبار التصنيفي: وهي مشكلة يعانيها الطلاب، فكثير منهم يفترض أن عليه أن يجيب عمّا في الاختبار كلّه، فهو يجعل نفسه في تحد معه، ولا يدرك أن عليه أن يتعامل مع هذا الاختبار بطريقة نفسية مريحة، لأنه يحدد مستواه بالضبط ليوفر له الراحة في غرفة الصف فيما بعد. وقد لاحظت أن بعض الطلاب عانوا ضغطاً نفسياً كبيراً وهم يقدّمون الاختبار بدا على ملامحهم، وآخرون تركوا الامتحان منزعجين ولم يقدروا على إكماله. هنا ينبغي توعية هؤلاء الطلاب قبل
مجيئهم بأن هذا الامتحان ما هو إلا وسيلة لخدمتهم، والتعرّف إلى مستواهم، الذي سيخدمهم ويخدم مدرسيهم لاحقا.
4. البدء بالاندماج : وهذا الاندماج نوعان
- الاندماج في قاعة الدرس
- الاندماج المجتمعي
أما الإندماج الأول، فتبدأ مشاكله منذ اللحظة الأولى، ويكون في كيفية التعود على المدرس والمنهاج وطريقة التدريس واستيعاب المدروس، وهذا يختلف من مستوى إلى آخر، فالمستوى المبتدئ على سبيل المثال يواجه تحدياً في اللغة الجديدة التي لا يعرف منها شيئاً، فيكون دور المدرس هنا في إيجاد الطرق والوسائل التي تدمج الطالب بسرعة بالعملية التدريسية، وتجعله يحبها ويستوعبها بكل يسر وسهولة، وذلك في محاولة طرد التوتر النفسي لدى الطلاب، وتقديم المعلومات بطريقة بسيطة وتراكمية تحبّب له الاستمرار في التعليم والتعلّم.
أما المستوى المتوسط، فيختلف التحدي النفسي من طلاب إلى آخرين، فالطلاب الذين جاءوا حديثا إلى المعهد أو المؤسسة يعانون مشكلات نفسية تقرب من تلك التي يعانيها طلاب المستوى المبتدئء، ويضاف إليها عدم قدرتهم على استخدام ما درسوه من لغة في المحادثة في واقعهم العربي الجديد، فهم يعدّون تصنيفهم في المستوى المتوسط في بلدهم، ولكنهم حين يندمجون في بيئة الدراسة الجديدة، يجدون أنهم ما زالوا في بداية الطريق، ألسنتهم انعقدت، ولا قدرة لهم على الكلام، ويواجهون مشكلة أخرى أن مدرسيهم لا يعرفون الكفاءة التي يملكونها بصورة حقيقية . وعلى العكس من ذلك الذين درسوا في المكان ذاته فهؤلاء تكون مشكلاتهم النفسية أقل، لأنهم اعتادوا على المكان والمناهج وطريقة التدريس والمدرسين. وكلّما تقدّم الطلاب في مستوياتهم تواجههم تحديات نفسية أخرى في زيادة كفاءتهم، فيعلمون أنهم يغرفون من بحر لجيّ متلاطم الأمواج، ويبدؤون يحددون أهدافهم واحتياجاتهم بدقة أكثر، وربما أسهموا في حلّ مشاكلهم، وتقديم احتياجاتهم للمؤسسة والمدرس..... وللحديث بقية إن شاء الله